الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية مقال رأي : مقاومة الارهاب تفترض التخلّص من القوالب القديمة في فهم أسبابه

نشر في  08 أفريل 2015  (15:07)

بقلم: نورالدين المباركي

لا أشك في وجود ارادة حقيقية لمكافحة الارهاب من الطرف الجهات الرسمية ( الحكومة) و الجهات غير الرسمية (الاحزاب و المنظمات و المواطنون)، هذا " اليقين" ( طبعا يبقى دائما نسبيا) ليس مبنيا فقط على التصريحات المعلنة إنما ايضا لأن الارهاب يُهدد الجميع و يستهدف مقومات الدولة كما الأحزاب و المنظمات ونمط عيش المواطنين.

لكن الارادة وحدها لا تكفي لتحقيق " الانتصار " في الحرب الارهاب ، مع الارادة ثمة الاستعداد و الجهوزية و ثمة أيضا فهم " الإرهاب الذي يتخذ من الدين عنوان له.

هذه الجماعات راكمت الى جانب التجربة العسكرية والقتالية "رصيدا نظريا وفكريا ودعائيا " اصبح يمثل حلقة مهمة في معركتها للتمكين، هذا الرصيد هو الذي يمثل اليوم أداتها في الاستقطاب و تجنيد الشباب.

وبالعودة الى مختلف التجارب الجهادية من افغانستان الى داعش مرورا بتجربة القاعدة، نقف على حقيقة أن هذه الجماعات تطور دائما تجاربها وافكارها وتجد المداخل و المسالك لاستقطاب فئات أخرى، حتى اصبحت قاعدة هذه الجماعات منفتحة على كافة الفئات من العاطل عن العمل الموظف والاطار، من ذوي المستوى التعليمي المحدود الى الحاصلين على الشهائد العلمية المتوسطة والعليا، من ابناء الاحياء الشعبية والجهات الداخلية الى ابناء الأحياء الراقية و ابناء الميسورين ، من الشباب العربي الذي يعاني من الأنظمة الاستبدادية الى الشباب الاوروبي و الأمريكي.

ليس هذا تضخيما في قدرة هذه الجماعات على توسيع قاعدة تجنيدها ، انما ملموس .

في المقابل بقي الحديث عن مكافحة الارهاب و اسباب انتشاره رهين قوالب لم تتطور منذ التسعينات ، ويتم ترديدها عند كل عملية ارهابية ، حتى أصبحت " محفوظة عن ظهر قلب" من المواطن الذي يتابع البرامج الحوارية التلفزية و ما يقوله المحللين ويصرح به المسؤولين ، وهي :

* الفقر و غياب التنمية هو مصدر الارهاب

* الفراغ الذي تركه " الاسلام السياسي المعتدل"

* التصحر الديني بسبب سياسة بورقيبة وبن علي

هذه العناوين الكبرى مع بعض التفاصيل و الجزئيات الأخرى يتم دائما اعتمادها لتفسير بروز و توسع الارهاب المستند الى مرجعية دينية، واعتقد أنها فقدت " صلوحيتها" و اصبح من الضروري البحث في دوافع أخرى تفسر لماذا تتنامى هذه الظاهرة وتتوسع و تستقطب فئات مختلفة ؟ لماذا الاقبال على الموت تحت عنوان " نحب الموت كما تحبون الحياة" ؟ لماذا هذه القسوة و العنف المتمثل في النحر و الحرق و الرمي من اماكن عالية و الافتخار بذلك و الاعتقاد أن ذلك تقرب من الله ؟

الاجابة عن هذه الاسئلة ليست في متناول أي كان ، لأن الظاهرة معقدة و تتداخل فيها عديد المقاربات و تفكيكها بشكل سليم للوصول لاجا بات تقريبية أعتقد انه يتطلب الخروج من القوالب القديمة .

أقول هي قوالب قديمة لأنه بالإضافة الى ترديدها منذ أكثر من عقدين فإن ايضا " قوالب سياسية" مصدرها اطراف سياسية فسرت بروز الظاهرة بما يتماشى و نظرتها للملف .

الحديث عن الفقر و غياب التنمية و الاستبداد كأسباب رئيسية لانتشار الارهاب ، هو في الأصل محاججة سياسية للأنظمة الحاكمة وتحميلها مسؤولية انتشار الظاهرة ، وهو ايضا " تقدير" غربي لأسباب انتشار الظاهرة في مرحلة ما فقط في البلدان العربية الاسلامية .الفقر و غياب التنمية و الاستبداد لا يفسر اليوم " هجرة الشباب الاوروبي والأمريكي الى دولة الخلافة ".

الفراغ الذي تركه "الاسلام السياسي المعتدل" لا يفسر اليوم ( بلدان الربيع العربي) هذا التوسع للجماعات المتشددة و " الاسلام السياسي المعتدل " يتحرك بحرية بل وصل للحكم.

أما " التصحر الديني "فانه لا يفسر نشأة" بوكو حرام" و مبايعتها لداعش و لا يفسر ايضا التحول من المسيحية الى السلفية الجهادية.

اصبحت مقتنعا ان الارهاب الذي تمارسه الجماعات الجهادية هو " مشروع و فكرة" تطورت و توسعت وتأصلت في " غفلة " من الجميع.

اقول في " غفلة" لأنه في الوقت الذي يؤصل فيه منظرو هذه الجماعات " مشروع الجهاد" فقهيا و شرعيا و سياسيا و تنظيميا و عسكريا ، كان الطرف الآخر يبحث عن " اسباب النشوء" في أماكن أخرى.